Skip to content Skip to footer

بصمة تبقى: رحلة الحاج عبد الله المطرود في العمل الخيري المؤسسي

في تجربة الحاج عبد الله مع جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية تتجسد بصمته الإنسانية الأوضح والأعمق؛ فهي المشروع الذي حمل روحه ورؤيته منذ أن كانت الفكرة “صندوقًا صغيرًا للبر” حتى غدت اليوم مؤسسة خيرية رائدة يُشار إليها على مستوى المملكة.

انطلقت البذرة الأولى للعمل الخيري في سيهات عندما بادر الحاج، ومعه ثلّة من رجالات البلدة، إلى تأسيس “صندوق البر في بلدة سيهات” في 24 / 10 / 1382هـ؛ وهو التاريخ الذي يُعدّ البداية الرسمية للفكرة التي قامت عليها الجمعية لاحقًا.

وخلال أربع سنوات فقط من العمل المنظّم والمبادرات المحلية المتتابعة، تقدّم الحاج ورفاقه بطلب تسجيل الصندوق كجمعية رسمية، ليجري اعتماده من الدولة تحت اسم جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية برقم (6) بتاريخ 16 / 11 / 1386هـ، لتصبح أول الجمعيات الخيرية المسجلة في المملكة.

وبهذا الانتقال من “صندوق البر” إلى جمعية رسمية، أسهم الحاج في رسم ملامح رسالة الجمعية وأهدافها الأساسية؛ فتركّز عملها منذ اللحظة الأولى على رعاية الأسر المحتاجة، والأرامل، والأيتام، وكبار السن، وتقديم خدمات التكافل الاجتماعي التي تمسّ حياة الناس مباشرة. وقد كان الحاج عبد الله حاضرًا في مرحلة التأسيس قيادةً وتوجيهًا ورؤيةً، ليضع أساس العمل الخيري المؤسسي في سيهات وينقله من المبادرات الفردية إلى مشروع اجتماعي مستدام.

في بداياتها كانت الجمعية تعمل بإمكانات محدودة؛ اشتراكات سنوية متواضعة ومقر بسيط، لكن الحاج عبد الله كان يؤمن بفكرة “التنظيم” في العمل الخيري، وأن ما يُجمع من ريالات قليلة يمكن أن يتحول إلى مظلة أمان اجتماعي متى ما حُسن تدبيره. ومن هذا الفهم توسّعت الجمعية عامًا بعد عام في عدد الأسر التي ترعاها وفي نوعية البرامج التي تقدمها، حتى أصبحت اليوم مرجعًا اجتماعيًا وخيريًا لسيهات وما حولها.

أبرز تجليات هذه الرؤية كان إنشاء أول دار إيواء للمسنين على مستوى مدن المملكة سنة 1965م؛ خطوة جريئة في زمن لم يكن مفهوم إيواء كبار السن مألوفًا اجتماعيًا. قاد الحاج عبد الله مع زملائه هذا المشروع من فكرته الأولى حتى قيام الدار، لتقدّم الرعاية للمسنين وذوي الإعاقة وطريحي الفراش والمرضى المحتاجين لعناية متخصصة.

تطورت الدار عبر العقود حتى تحوّلت إلى مجمع صحي اجتماعي متكامل بطاقة مئات الأسرّة، يضم مباني منفصلة للرجال والنساء والأطفال، إضافة إلى العيادات ومرافق التمريض والعلاج الطبيعي والإيواء والتغذية والخدمات المساندة. وبات المجمع يخدم مئات الحالات سنويًا من المنطقة، في امتداد حي لرؤية الحاج بأن الشيخوخة والمرض لا ينبغي أن يتحولا إلى عزلة أو إهمال.

إلى جانب رعاية كبار السن، أولى الحاج اهتمامًا خاصًا بالطفولة والتعليم المبكر، فكانت نواة مشاريع رعاية الطفل التي تطورت لاحقًا إلى كيان تعليمي متكامل، من أبرز ثماره اليوم بيت الطفولة السعيدة في سيهات، وهو مركز يقدم برامج تربوية حديثة تحت مظلة الجمعية التعليمية.

وتوسّعت رسالة الجمعية التي أرسى الحاج قواعدها لتشمل حزمة واسعة من البرامج الاجتماعية؛ من سلة رمضان الغذائية التي تصل إلى مئات الأسر، إلى كسوة العيدين والشتاء، مرورًا بـكفالة الأيتام، وتفريج الكرب، ودعم الطلاب، وإلحاق الأطفال المحتاجين برياض الأطفال على نفقة الجمعية، إضافة إلى ترميم المنازل وتأثيثها.

وفي بعدٍ أوسع، موّل الحاج أحد أكبر المشاريع السكنية الخيرية في المنطقة بشرائه أرضًا تزيد مساحتها عن مليون ونصف المليون متر مربع، وتخصيص جزء كبير من عوائدها لمشروع اجتماعي وسكني استفادت منه أكثر من ١٣٠٠ أسرة، في خطوة تعكس نظرته لتحويل الثروة الخاصة إلى استثمار اجتماعي طويل الأمد.

ولم تتوقف بصمة الحاج عند مرحلة التأسيس؛ فقد واصل أبناؤه حمل الراية في مجالس إدارة الجمعية ولجانها، وكان من بينهم ابنه عبد الرؤوف الذي تولى رئاسة الجمعية لسنوات وحظي بتكريم رسمي، ثم ابنه شوقي بن عبد الله المطرود الذي يقود مرحلة تطوير جديدة للجمعية، بينما يواصل أحفاد الحاج العمل في اللجان والمبادرات، ليظل اسم الأسرة حاضرًا في البناء الاجتماعي والخيري للمدينة.

كان هذا العطاء المؤسسي أحد أسباب حصول الحاج عبد الله على ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى من الملك خالد، وعلى جائزة أمير المنطقة الشرقية لأعمال البر، وهي تكريمات وضعت تجربته في مرتبة النموذج الوطني الملهم في بناء مؤسسات الخير والتنمية المستدامة.

كما خطط الحاج، لا تُعد جمعية سيهات مجرد محطة في مسيرته، بل هي الوجه المؤسسي لرسالته الإنسانية؛ من خلالها تحولت قناعاته بالبر والتكافل إلى نظام وبرامج وهياكل، ومن خلالها أيضًا استمر عطاؤه بعد رحيله، يحمل توقيعه القيمي وإن اختلفت الأجيال وتعاقبت الإدارات.