Skip to content Skip to footer

إبراهيم سلمان المطرود… توأم الروح الذي نهض بأخيه، والشريك الذي صنع مع عبد الله قصة نجاح

وُلدا في زمنٍ كان شديد الصعوبة على أهل المنطقة، حيث فقر الموارد وضنك العيش وقلة الفرص. عملا وهما طفلان في المزارع بأجر بسيط لا يكاد يذكر، وكانت «تمرة في اليوم» أجرًا معتادًا لهما، قبل أن يبلغا حتى سن العاشرة. حملتهما الضرورة إلى البحر، حيث سعيا للعمل مع الغواصين رغم صغر سنهما، لكن إصرارهما جعلهما يُقبلان في تلك الرحلة التي حصلوا فيها على لؤلؤة ثمينة، كانت فاتحة خير غيرت أحوال المجموعة وكان نصيب كل منهما روبية واحدة، فكان ذلك أول بشائر التفاؤل في حياتهما.

في الثانية عشرة من عمره، عمل إبراهيم لدى عائلة أمريكية في الظهران، وهناك تعلّم الإنجليزية والأُردية، واكتسب مهارات قلّ إن يمتلكها شاب في سنّه آنذاك، وهي مهارات ستصبح لاحقًا بوابة النجاحات الأولى. وعندما بدأ نجم أرامكو يسطع في الثلاثينيات والأربعينيات، حاول الأخوان دخولها كبقية شباب المنطقة، وتم قبول إبراهيم فيها ورفض شقيقه عبد الله وكانت هذه الخطوة بداية التحول الحقيقي في حياتهما.

كان إبراهيم يمتلك حضورًا قويًا، وانضباطًا نادرًا، ولباقةً جعلته قريبًا من المسؤولين، وبفضل ذلك تمكّن مع عبد الله من إبرام اتفاقية عمل غير مسبوقة: شراء مغسلة قديمة وإعادة تشغيلها لخدمة موظفي أرامكو. لم تكن المغسلة مشروعًا صغيرًا فحسب، بل كانت مدرسة عملية فهم من خلالها الناس قيمة إبراهيم في حياة عبد الله؛ فهو الرجل الذي يدير التفاصيل، يعتني بالعمال، يضمن الجودة، ويقود العمل بنظام صارم ولطف إنساني في آن. ومع الوقت توسعت المغسلة ليصبح لديها أكثر من مئة عامل، ثم حصل الأخوان على قرض من أرامكو لشراء أجهزة حديثة وإنشاء أول مغسلة أوتوماتيكية حديثة في مدينة الخبر عام 1959م.

وبعد نجاح المغسلة، توالت المشاريع التي ستجعل من الأخوين رائدين في صناعات لم يسبقهم إليها أحد. ففي منتصف الخمسينات، أسسا أول مصنع عصري لإنتاج الألبان والعصائر والآيس كريم، وهو مشروع كان عبد الله صاحب رؤيته الاستثمارية، لكن إبراهيم كان روحه وإدارته وانضباطه. كان يؤكد دائمًا أن «قيمة المصنع هي العامل المنتج»، وأن الإنصاف يبدأ من العدل في الأجر والاحترام. ولهذا أحبّه العمال وثقوا فيه، ونهضت المشاريع باسمهما معًا.

وفي عام 1976م تأسس مشروع المخابز الوطنية لإنتاج الخبز والكورن فليكس والفطائر، ثم جاء مشروع التصنيع الزراعي في مطلع الثمانينات، حيث جلبا الأبقار من الخارج، وأدارا مزرعة متطورة لإنتاج الحليب الطازج وتسويقه بالطرق الحديثة. وفي عام 1982م افتُتح مصنع العصائر، لتتوالى سلسلة من المشاريع التي صنعت اسم “المطرود إخوان” وجعلته رمزًا للنهضة التجارية في المنطقة الشرقية. ومن المنعطفات المهمة في مسيرتهما صفقة الأنابيب وقطع الغيار المتعلقة بصناعة النفط، التي شكّلت نقلة نوعية في استثماراتهما، وكانت مصدر تمويل مهم للتوسع اللاحق.

لم تكن نجاحاتهما اقتصادية فحسب؛ فقد حملا مسؤوليات اجتماعية كبيرة، إذ شاركا في تأسيس جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية عام 1962م، وجمعا أول تبرعات لها، ودعما الأنشطة الرياضية والخيرية، وأسسا المساجد، وكان آخرها مسجد الحمزة بن عبد المطلب الذي افتتح عام 1427هـ. وكان كل ما يُقدم من عمل خير يظهر باسم “المطرود إخوان”، شراكةً صادقة في العطاء كما في التجارة.

امتاز إبراهيم بشخصية قيادية ملتزمة، لَبِق في الحديث، واسع الاطلاع رغم أنه لم يدرس العربية دراسة نظامية. امتلك مكتبة ضخمة بالعربية والإنجليزية، وكان قارئًا لا يملّ، ومتابعًا للأخبار والعلوم، ويشجع أولاده وأبناء أخيه وأبناء إخوانه على الدراسة، حتى إنه أرسل كثيرًا منهم إلى لبنان للدراسة في الستينات. وكان للبحرين مكانة خاصة في قلبه، فسكنها منذ أواخر الستينات، وأنشأ فيها مشاريع منها أول مغسلة حديثة، ومجمع “حدائق المطرود” السكني، ومؤسسة ملاحة عالمية. وفي حرب الخليج الثانية، فتح مجمعه لإيواء المهاجرين من الكويت دون مقابل.

وفي فجر يوم الجمعة 24 سبتمبر 1998م، رحل الحاج إبراهيم عن عمر 74 عامًا، ونقل إلى سيهات حيث دُفن. وعندما بلغ الخبر شقيقه الحاج عبد الله، عبّر بكلمة واحدة اختصرت حياة كاملة قال فيها:

“كسرت ظهري يا إبراهيم.”

كانت هذه العبارة شهادة على عمق العلاقة التي جمعتهما… علاقة تجاوزت الأخوّة إلى شراكة روح، ومسيرة واحدة سطرها رجلان نهضا من البساطة، وتركا أثراً لا يزول.